زمانكم- أحمد أبو خليل
أمضيت عدة ساعات مع الكتاب الجديد للدكتور كامل العجلوني “تاريخ الطب الحديث في الأردن وفلسطين منذ القرن التاسع عشر”.
بلا مبالغة، يعد الكتاب “حدثاً” هاما في موضوعه. فهو في أجزائه الثلاثة التي تضم ما يقارب الثلاثة آلاف صفحة، يغطي كامل مجالات القطاع الطبي والصحي خلال زمن طويل، في الأردن وفلسطين، كما يتضح في عنوانه. في الجزء الأول نجد تفاصيل تتركز في فلسطين بسبب التقدم النسبي للقطاع الطبي في فلسطين العثمانية والانتدابية مقارنة بمنطقة شرق الأردن. ولكن مع مضي الصفحات، يكون التركيز على متابعة الحالة في الأردن، حيث يجد القارئ توثيقا وتأريخا للأطباء والمستفيات (بأنواعها: الأجنبية والحكومية والخاصة) والعيادات الرئيسية، إلى جانب التمريض والمختبرات الطبية والصيدلة، كما يطالع تفاصيل تعليم الطب والقرارات والتشريعات ذات الصلة.
في أية صفحة تقرأ تجد المعلومة المفيدة إلى جانب المتعة والطرافة أحيانا. لأن الكتاب يشتمل على جوانب من التاريخ الاجتماعي للطب والصحة، كما يستعرض سيرة إدارة القطاع، وتطور تعامل الجمهور مع موضوع الطب والصحة.
في الكتاب تقرأ مثلا قصة قرار إقامة كلية الطب في الجامعة الأردنية والنقاش الذي امتد لسنوات بين فريقين: مؤيد ومعارض. ستقرأ كيف قاتل المؤيدون لإنجاح الفكرة والمباشرة ثم مواجهة التحديات والعقبات في الميدان. ستطالع في هذا السياق نمط الفكر التنموي الذي ساد حينها. وستتعرف على تفاصيل جميلة ومفاجئة.
ستطالع قصة إنشاء أول مستشفى عسكري عام 1960، قبل أن تتطور الفكرة بعد عقد من الزمان إلى مشروع المدينة الطبية. هنا نقرأ الحوار الحاد والطريف بين الدكتور عبدالسلام المجالي الطبيب العسكري عندما ووجه بمشكلة توفير التمويل بمبلغ مليون دينار عام 1960، وبين هزاع المجالي الذي كان حينها رئيسا لمجلس الإعمار (جهاز يقوم بدور وزارة التخطيط حاليا)، حيث يقول هزاع لعبدالسلام: لا يوجد مال، لماذا لا تعالجون الناس في خيم؟ فيرد عبدالسلام: ولماذا لا يكون مجلس الإعمار في خيمة؟
ثم نقرا قصة المدينة الطبية، وكيف تمكن اصحاب القرار من التمويه على صفة المستشفى لكي توافق ألمانيا على تزويده بالمعدات، لأنها لم تكن لتوافق على تجهيز مستشفى عسكري وذلك خشية الغضب الاسرائلي!.
في الكتاب نقرأ الصراع حول مشروع “المؤسسة الطبية العلاجية” الذي طرح للنقاش ثم أقر، وكيف استطاع فريق المعارضين وفي مقدمتهم وزير الصحة آنذاك الدكتور زيد حمزة، أن يشرح معارضته، وان يستكمل المعركة بعد ثبوت فشل المشروع في التطبيق، إلى أن ألغي قانون المؤسسة ككل عام 1991.
نقرا في الكتاب بعضا من قصص القطاع الطبي، فنتعرف مثلا على أول مستشفى خاص (من خارج المستفيات الأجنبية التابعة للفرق التبشيرية) وهو مستشفى في الحصن أقامه طبيب غير معروف واسمه سمعان خوري عام 1919 باسم مستشفى عجلون. كما نقرأ تفاصيل “أسطورة مستشفى ملحس” كما سماها الكتاب، وهو المشروع المبادر والمغامر الذي أسسه الطبيب قاسم ملحس الذي أسس مع المستشفى منهجا خاصا في الثقيف الصحي على المستوى الشعبي.
الكتاب يقع في صلب اهتمام وتخصص موقع “زمانكم”. وعلينا الاهتمام به كما يجب وكما يستحق. ونعد قراءنا بان نعرض في حلقات متتالية أبرز محتويات هذا الكتاب الفريد.
ودائما سنقول بكل الاحترام: شكرا جزيلا للدكتور كامل.