زمانكم–
كانت زاوية “شبابنا الناهض” من أشهر الزوايا في صحف الستينات وحتى الثمانينات. كان الناس ينشرون نبأ تخرج أبنائهم او عودتهم من الدراسة في الصحف، وكانت الصحف تقدم ذلك كخدمة.
في الصورة أعلاه نبأ عودة طالب الطب طراد سعود القاضي من دراسته في بولندا، وهو الطبيب (والوزير لاحقاً) الذي أصبح شهيراً نظراً لأسلوبه الخاص في التعامل مع مرضاه.
كان المريض في كثير من مدن وقرى الشمال، إذا أعياه مرضه واشتد عليه ألمه يجد بالضرورة من يسأله : “شُفْت طراد؟” فإذا أجاب: “لا ما شفت طراد” ، قيل له على الفور: “شوف طراد”.
في تلك البيئة الفلاحية، استطاع الدكتور طراد القاضي أن يعيد انتاج لغة الطب والعلم والتشريح ويحولها الى لغة شعبية مفهومة، فقد كان يحرص على أن يَفهم المريضُ حقيقة مرضه، فكان يقوم بعقد المقارنات بين ما هو مألوف لدى المرضى من معلومات حول أجسام الخراف والجمال والدجاج وبين جسد الإنسان، فيخرج المريض وقد استوعب معاناته.
كان المرضى يشرحون أعراض مرضهم بلغة يتفاعل معها طراد جيداً، فمن مريض يشعر أن “سيخ حديد” يخترق خاصرته ، وآخر يشعر أن “جُرزة مسامير” تدق أحشاءه، وثالث يتصور أن المرض يجلس فوق معدته “مثل حبة الكوسا”، ورابع يحس كما لو أن “رُجم حجارة” تكوم فوق جسمه … الى آخر ذلك من أوصاف كان طراد يبدي كل الإهتمام بها والتفاعل معها.
حتى أولئك المرضى، وخاصة المريضات اللواتي كن يترددن عن “الكشف” أمام الأطباء ، كن يألفن طراد ويثقن به ثقتهن بإخوتهن.
إن التاريخ الاجتماعي للوضع الصحي في ريف الشمال الأردني سيحفظ للدكتور طراد مكانة خاصة.
رحم الله الدكتور طراد القاضي.
ملاحظة: الفقرات بالأسود، هي مقتطفات (محررة) من مقال كتبه رئيس تحرير موقع “زمانكم” احمد أبوخليل في صحيفة “العرب اليوم” عند وفاة الدكتور طراد في كاون أول 2002: