زمانكم-
يكمل سوق الجمعة في العبدلي الثلاثين من عمره هذا العام.
بدأ السوق بعدد لا يتجاوز مئة بسطة، فيما يضم الآن أكثر من خمسة آلاف وحدة بيع، منها حوالي 1200 مسجلة
يعيش السوق منذ 8 أعوام حالة من التوتر والقلق، ويرتبط ذلك بمستوى الانجاز بمشروع العبدلي التجاري المجاور. لقد تراجع القلق قبل سنوات مع الأزمة العالمية التي قادت تداعياتها إلى التوقف في العمل في مشروع العبدلي، وبالمقابل كان سوق الجمعة في العبدلي يتوسع.
الآن عاد القلق من جديد، وهو كما يبدو الآن قلق جدي هذه المرة، فالأمانة على وشك إزالة السوق.
لا أحد يجري مقارنة تنموية بين المشروعين! نعم تعالوا نحسب ببساطة: صحيح أن مشروع العبدلي التجاري يتفوق بما لا يقاس من الناحية المالية وحجم الاستثمار.. الخ. ولكن منطق التنمية مختلف، فهو يتعلق بالدرجة الأولى بالتوزيع، وحينها يتفوق سوق الجمعة بلا جدال. فهل يستطيع القائمون على مشروع العبدلي الزعم ان مردود مشروعهم يتوزع على خمسة آلاف عائلة أردنية؟
ندرك ان في حسابنا السابق درجة عالية من التبسيط، وربما السذاجة.. ولكن من المؤكد أنه يتفوق في المنطق التنموي على أي حساب اقتصادي/ مالي آخر.
فيما يلي مقالة نشرت قبل 8 أعوام عن “سوق الجمعة” توضح سيرته إلى ذلك الحين:
سوق الجمعة في العبدلي[1]
الحارس رب العالمين
إن إقامة سوق مؤلف مِن أكثر من مائتي محل لمدة يوم واحد فقط في الأسبوع، وفي مساحة محددة، وبشكل منتظم أسبوعياً، هو أمر يحتاج لقدرات تنظيمية كبيرة، فالشروط تقتضي أن تعود الساحة التي يقام بها السوق خالية نظيفة جاهزة لتكون موقف سيارات طيلة أيام الأسبوع ما عدا يوم الجمعة الذي يقام فيه سوق العبدلي الشعبي “سوق الجمعة” الذي بلغ عمره الآن (2006) أكثر من عشرين عاماً[2].
يجهز الباعة بضائعهم منذ الليلة التي تسبق يوم السوق، أي منذ مساء يوم الخميس، ويغادرون الموقع بعد أن يستروا بضائعهم بشوادر بلاستيكية، أو قطع قماشية كبيرة، وذلك كافٍ بالنسبة لهم، فرب العالمين هو الحارس، كما يقولون.
الأمان سمة عامة
على العموم، تشهد الأسواق الشعبية مستوى عالٍ من الأمن والأمانة يندر أن تجد له مثيلاً في الأسواق الكبيرة الرسمية، فالبائع في السوق الشعبي قد يغادر بسطته ويكتفي بأن يُبْلِغ زميلَه على البسطة المجاورة، وهذا الأخير سيقوم بما يستطيع من بيع حسب توصية صاحب البسطة الأصلي، وقد اعتاد الزبائن على هذا الوضع، ويكفي أن يضع أحد الباعة قطعة قماش فوق البضاعة، أو أية إشارة أخرى تشير إلى أنه غائب، فهذا يعني أن على الزبون أن ينتظر.
كل شيء يجري هنا بمرونة عالية، إذ يتم نصب أقفاص الحديد المؤلفة من “تيوبات” قوية صممت بطريقة مناسبة، بحيث يمكن فكّها وتركيبها بسهولة، وخلال دقائق يستطيع أصحاب البسطة تركيب الإطار المعدني لـ”المحل” وترتيب البضاعة فيه، ويتكرر الأمر عند الإغلاق في مساء اليوم التالي.
كل واحد من الباعة يعرف موقعه جيداً، ويتعاون الجيران فيما بينهم، وهم يعرفون بعضهم بعضاً، وقد ربطتهم علاقات صداقة وعلاقات اجتماعية أخرى متشعبة، وذلك بعد زمالة طالت إلى عدة سنوات، وحتى عندما يضطر أحدهم إلى التغيّب، فإن جاره في الموقع يعرف ذلك مسبقاً، ويكون بمقدوره أن يستفيد من موقع الجار الغائب مقابل أن يدفع الرسم المقرر لمندوبي أمانة عمان الذين يحضرون صباح كل جمعة، ويجمعون الرسوم بواقع دينارين من كل “نمرة”، أي من كل صاحب محل يبلغ مساحته حوالي ستة أمتار مربعة.
تاريخ من البسطات
لدى العاملين هنا خبرة كبيرة في “تاريخ” الأسواق الشعبية، وقسم منهم جرب الكثير منها، فتجده يتحدث عن “سوق ماركا” الذي “طُرِدوا” منه، ثم عن “سوق النصر” الذي تم “ترحيلهم” منه بسبب الحاجة إلى توسيع الشارع، ثم عن “سوق أبو نصير” و”سوق سَحاب”، الذي رُحِّلوا منه بسبب احتجاج تجار آخرين في المنطقة، و”سوق مأدبا” الذي أقيم في موقع غير صحي ومع ذلك قبلوا به، و”سوق الوحدات” الذي تنقل بين أكثر من موقع، و”سوق أم تينة” الذي تم تحويله إلى “هنجر” ولذلك لم ينجح، “لأن الهناجر لا تناسب الأسواق الشعبية”، وأيضاً عن “سوق سحاب” الذي قيل لهم أنه أغلق بسبب انتشار مظاهر سلوك سيئة فيه.
هم يعرفون مستوى أسعار البسطات، ويعرفون أي من البلديات تقوم باستغلال أصحاب البسطات، وأيها تقوم بمنح الترخيص بحسب الواسطات والعلاقات الشخصية، وأي المسؤولين أرحم وأكثر تفهماً، ولدى قسم كبير منهم تجارب في الصدام مع الأجهزة المختلفة. وهم يتابعون الخبار ذات الصلة، مثل أخبار سوق “الجورة” أي “جورة الأوقاف” رغم أنها تقع بعيداً عنهم في آخر منطقة سقف السيل وسط عمان، وقد فكّروا باستغلاله، لكنهم ترددوا في اقتراح الموضوع بسبب كثرة القضايا حوله.
تغطي اهتمامتهم ومتابعاتهم منطقة عمان والمناطق المحيطة وصولاً لمأدبا والزرقاء والرصيفة وسحاب وزيزياء، حيث يعقد هناك سوق شعبي لمدة نصف يوم فقط يرتاده سكان البادية الوسطى وسكان مخيم الطالبية.
لا يتوقف اهتمامهم على وضع الأسواق الشعبية والبسطات عند هذا الحد، فهم يعرفون أن كثيراً من الدول فيها مثل هذه الأسواق، ويذكّر محدثنا زميلَه بما رآه في مشاهد تلفزيونية في تركيا عندما بادرت مجموعة من النساء لإقامة سوق شعبي في قريتهن، وأضاف أنهما تهاتفا لكي يتابعا الخبر معاً على الشاشة.
قدرات تنظيمية كبيرة
بعكس ما قد يعتقده المشاهد في الخارج، فإن العاملين يراعون ظروف بعضهم البعض ويتعاونون في مساعدة من يحتاج إلى المساعدة، وهناك لجنة يثقون بها ويرشدون السائل إليها، ورئيسها، محمود أبو العرايس الذي يعتبر خبيراً في الأسواق الشعبية ويعرف القوانين وتفاصيلها[3].
بشهد السوق امتداداً إلى المساحات المحيطة لكن التبسيط هناك غير مرخص ويتعرض صاحبه لمصادرة بضائعه ولا تتقاضى الأمانة منه رسوماً لأن ذلك يعني الاعتراف به.
داخلياً هناك درجة عالية من تنظيم السوق بحيث يكون ذلك مناسباً للتسوق، فالجهة على اليمين يحتلها باعة الخضار والفاكهة بينما باعة ملابس البالة إلى الداخل ويحتل الجزء العلوي باعة النثريات. وهناك بسطة للكتب بعضها من الكتب القديمة، وبسطة تبيع التحف والمنحوتات والنحاسيات. وبحكم موقعه، يعتبر السوق مكاناً لرواد معينين جزء منهم من الأجانب الفقراء مثل العاملات من سيريلانكا والصين مثلاً.
قلق كبير
هناك الآن قلق كبير في أوساط العاملين هنا في سوق العبدلي بسبب قرب الغائه نتيجة التوسع والبناء التجاري الكبير المقرر أن يبدأ قريباً، وهم يتابعون كل القرارات ذات الصلة، فهم يعلمون مثلاً أن أصحاب الأكشاك الموجودة قرب مجمع السيارات قد تم ابلاغهم أن أمامهم شهرين لكي يغلقوا تلك الأكشاك، فهذه الأكشاك أقرب إلى موقع البناء منهم.
الحديث يجري عن مشروع كبير سيقام في هذه المنطقة[4]، وذلك في سياق عملية تحديث العاصمة، ويقال أن المشروع يعتبر مجدياً من الناحية الاقتصادية حيث سيوفر المئات من فرص العمل.. الخ. ولكن هل التفت أحد إلى أن هناك من سيحرم بعد المشروع من فرصة عمله التي أوجدها بعد جهد سنين طويلة؟
ثمة دائماً زاوية نظر اخرى للموضوع الواحد.
[1] أجريت هذه المتابعة في شباط 2006
[2] لا يزال السوق قائماً حتى الآن (2014) ولكنه على الدوام مهدد بالإغلاق.
[3] أنظر المقابلة مع خبير البسطات محمود أبو العرايس صفحة
[4] تم فعلاً البدء بإقامة مشروع العبدلي، ولكنه تعثر بسبب تداعيات الأزمة المالية العالمية (2009 وما تلاها)، ولكن في هذه الأثناء جرى نقل مجمع العبدلي للنقل الى منطقة طبربور، مما فتح المجال أمام السوق الشعبي أن يمتد الى المساحة التي كان يشغلها مجمع النقل.