زمانكم-
هذه المقالة القصيرة مجهولة الكاتب تتكون من حوالي 200 كلمة، لكنها ترصد بشكل مكثف ظاهرة سياسية في غاية الأهمية في التاريخ الأردني المعاصر. وهي منشورة في مجلة “الميثاق” الصادرة في آذار 1950.
عنوانها “وطنية”.. هكذا ببساطة، لكنها توضح التبدل الكبير الذي شهده مفهوم “الوطنية” مع نشوء الأحزاب العقائدية بشتى اتجاهاتها القومية واليسارية والدينية، مع نهاية الأربعينات.
من المعروف أنه في الفترة التي سبقت ذلك، ومنذ أن ارتسمت حدود دول المنطقة، أسست النخب أو لنقل “الزعامات” الأردنية القادمة من اوساط فلاحية وبدوية ومدنية مفهومها “الطبيعي” للوطن والوطنية (الطبيعي بمعنى المماثل لما هو حاصل في تجارب الشعوب الأخرى)، وعرفت أين تضع قضايا الأمة وقضايا الدين والعالم من هذا المفهوم، وخاضت صراعها مع القوى المحلية والاستعمارية دفاعاً عنه وفي سبيل تأصيله، لقد تشكل هذا المفهوم في سياق صراع بين مشروعين لـ”الوطن”: مشروع أرادته بريطانيا والصهيونية وأنصارهما، ومشروع آخر نقيض يطمح الى الاستقلال الحقيقي وبناء “رابطة مدنية لهذا العش الصغير”، وذلك وفق التعبير الجميل الذي صاغه علي خلقي شرايري في مؤتمر أم قيس الشهير.
ترصد المقالة في الصورة أعلاه، أن هناك نمطاً جديداً من الوطنية نشأ وله مواصفات خاصة، ويوضح كاتبها متهكماً: “عليك أن تطلق على نفسك اسماً مذهبياً، وبدون ذلك فأنت لست وطنياً حتى لو قُتلت في سبيل الدفاع عن وطنك”.
“إذا لم تكن “تقدمياً، فأنت غير صادق بوطنيتك حتى لو قدمت كل ما تملك لمشروع وطني، ولو تطوعت أنت وولدك للجهاد في سبيل عروبة فلسطين.. وأنت غير مثقف حتى لو ملكت علوم الأولين والآخرين”.
“الوطنية عندهم أن تجلس في برج عاجي وتتحدث في (امور نظرية).. وتلعن نظام الطبقات وتشتم الاستعمار وتطلب الإصلاح، ولكن أين؟ في المكتب!.
“اما الشعب، وأحواله والقرية وشؤونها، فهذه أمور ثانوية لا تستحق من عناية وطنيينا شيئاً”.
المقالة على بساطتها، مليئة بالإشارات الى مرحلة هامة لا تزال آثارها حاضرة لليوم.