أحمد أبوخليل
بموازاة الاشتغال بمواضيع الماضي والأرشيف، أقوم حالياً ببعض العمل البحثي الميداني في مجالات تخص الحاضر “جداً” بل والملِح في حضوره.
من المذهل والمؤلم والمحزن، هذا التناقض الذي يحصل بين نمطي إدارة البلد في زمانين: زمان بناء وتأسيس البلد الذي يختص به موقع “زمانكم”، وزمان البحث الحالي، وهو -بكل جدارة- زمان هدم وتشويه ما تم بناؤه.
أمضيت حوالي أسبوع في قرية “سويمة” على البحر الميت، ولعلها المنطقة الأقسى في تعرضها للظلم والمعاناة إلى درجة تكاد تلمس فيها بعض ملامح “العنصرية”.. نعم أيها الأردنيين.. العنصرية! وهو أمر بات ينتج شكلاً مقلقاً من الغضب المستجد عند جمهور يمتاز أصلاً بدرجة عالية من المسالمة والسكينة والمداراة لكل ما يحيط به من سلطة ومن مؤسسات ومن ظواهر ومن مجموعات سكانية أخرى.
تقع “سويمة” على بعد مئات الامتار من شاطئ البحر الميت، استقر أهلها في القرية بعد عهود من الترحل، كانت فيها العيون والينابيع، يزرعون ويرعون حلالهم. سكانها حولي 6-7 آلاف ينتمون إلى عشيرة الجعارات (من أهل الغور) وعدة مئات من البدو الذين استقروا على أطرافها.
اليوم تسألهم: منذ متى بدأتم تشعرون ان حياتكم صارت أصعب؟ فيجيبون: منذ السياحة والاستثمارات والمشاريع! قال لي أحد الرعاة: يا خوي كل ما نسأل عن شي يقولون لنا “الهيئة.. الهيئة”.. شنو الهيئة هاذي والله ما ندري؟ إنه يقصد هيئة المناطق التنموية التي صارت تملك السلطة الرئيسية على كامل المنطقة، بما في ذلك الشؤون البلدية.
الظلم واقع منذ زمن، ولكنه يتعمق يوماً بعد يوم. لقد فقدت القرية أرضها في عمليات بيع تمت في ظروف من بساطة الناس، ثم بدأ “الحصار التنموي” بتشديد الخناق، فجميع عمليات تخصيص الأراضي كانت من نصيب “المتنفذين”، ولهذه الكلمة وقع مختلف هنا، فهي تعني متنفذي القطاعين العام والخاص، وكل مواطن يروي لك عشرات القصص والحكايا التي تشبه الأساطير عن “المتنفذين”.
لا مجال أمام السكان للتوسع السكني نهائياً، إلى درجة أنهم يخشون من مخطط لترحيل جماعي على الممدى البعيد. وقد تم سلخ الكثير من صلاحيات المجلس البلدي، تحت عنوان “المخطط الشمولي”.
بين يدي الناس قرارات حكومية متعددة تتعلق بتوسعة القرية وتخصيص أراض، ولكنها بقدرة قادر! تتلاشى.. كرمى لعيون الاستثمار… والمتنفذين.
آخر المظالم.. ما يلي:
يعمل حوالي 200 شاب في ما يقارب 100 كشك على الشارع وعلى الشاطئ، يقدمون الخدمة للسائح الفقير الذي لا يستطيع الاقتراب من الفنادق ولا حتى مما يعرف “شاطئ الأمانة”، بسبب ارتفاع الأسعار. كما يعمل حوالي 30 شخصاً في سياحة الرواحل، فيشغلون خيولهم وجمالهم في جولات سياحية.
تضع “الهيئة” هذه الأكشاك كهدف، ويجري بالتعاون بين الجهات المعنية بملاحقة الفقراء!! بدل ملاحقة فقرهم، تتبع أصحاب هذه الأكشاك، وقد تم ترحيلهم من مكان لآخر، فيما تم إنكار كل الوعود السابقة وبعضها رسمي وموثق ويقضي بتوفير قطة أرض على الشاطئ لكي يقيموا فيها أكشاكهم بعيداً عن أنظار السياح “السوبر”.
قبل أيام حصلت مداهمة للأكشاك، وأزيلت ثلاثة منها، وحصل اصطدام. وجرى تنفيذ الطقس المعتاد: اقتيد عدد من الشباب إلى الأمن، وتم تهديدهم بتكبير الموضوع، ثم يتدخل الوسطاء، ويصبح هم الشباب أن يُفرج عنهم.. وبالنتيجة الرضوخ للقرار.. تلك هي طقوس إدارة العلاقة مع احتجاجات الفقراء.
مظالم سويمة لا تنتهي، وما حصل ويحصل فيها، يخلق بؤرة توتر جديدة، عند مواطنين يلحون على دولتهم أنهم مسالمين ولا يريدون سوى العيش بالحد المعقول من الكرامة.
ترون في الصور التالية عدداً من الوثائق التي تقر بحقوق الأهالي، ولم تقم السلطات بالتنفيذ، كما ترون صوراً التقطت يوم تحطيم الأكشاك.