أحمد أبو خليل/ رئيس تحرير “زمانكم”
حالة الفلتان في المعارضة تفوق كثيراً حالة الفلتان في الحكم.. ومن المرجح أن علينا نُجري تبديلاً جوهرياً في فولكلور الشكوى السياسية باتجاه اعتماد مفهوم “فلة معارضة” كبديل لمفهوم “فلة حكم”..
تعالوا نتفحص ذلك من خلال الأمثلة:
محاور الخلافات السياسية، وجميعها بالمناسبة خارجية، تنتج تبعثراً لا نهاية له: الخلاف حول سورية ينتج طيفاً من الاصطفافات متعدد الألوان، والوضع في فلسطين بين الضفة وغزة، ينتج اصطفافات أخرى، والموقف من الحالة المصرية، ينتج اختراقاً في صنفي الاصطفاف السابقين، والموقف من داعش في سورية، يختلف عن الموقف من داعش في العراق، وهو ما ينتج بدورة تنوعاً معقداً في مواقف أطراف المعارضة في البلد، بل إن الموقف من اسرائيل –العدو- قد يتنوع بين كونها تؤيد “الثوار” في جنوب سوريا، وتقمع الثوار في فلسطين.
حالة “فلة معارضة” تشمل كلا الصنفين من هذه المعارضة: “التقليدية” من اسلاميين ويساريين وقوميين، و”الحديثة” التي نشأت في السنوات الأربع الأخيرة.
من الطريف والمحزن، مثلاً، أن ترى شاباً ما زال في مطلع العشرينات من عمره، ولكنه مر بالكثير من تجارب المعارضة.. “الجذرية”؛ فقفز من اليسار إلى اليمين، وناصر الإسلاميين حيناً والقوميين حيناً آخر، ثم اشترك في تجربة خاصة مع زملائه الشباب، ثم انشق عنهم أكثر من مرة.. ووصل أخيراً بعد أن نضحت تجربته! إلى إنشاء صفحة فيس بوك “يعارض بها على ليلاه”.
بل إن بعض القرى والعشائر والتجمعات المحلية تخوض وتؤسس تجاربها الخاصة في المعارضة. آخرون أرادوا شكلاً عصرياً فأقاموا مؤسسة مجتمع مدني معارضة، واختارت بعناية شعاراً يتمتع بدرجة عالية من النغاشة، واعتمدت لأوراقها لوناً زاهياً مميزاً.. بالمناسبة يلعب اللون دوراً مهماً في فترة “فلة معارضة”.
يكفي أمثلة.. ربما كان علينا التوقف عند عبارة “فلة معارضة” لوحدها.. لكن ما الذي يعنيه ذلك؟
الظاهرة جديدة، وسوف تحتاج زمناً أطول قبل أن تصبح قابلة للتفسير. لكن لعلكم لاحظتم مثلاً ان عناوين مرحلة “فلة معارضة” أغلبها خارجي، فهل لذلك علاقة بضعف الرابطة الوطنية؟ أم أن خصوصية تشابك الداخلي مع الخارجي (الوطني والمحلي مع القومي والدولي) تلعب دوراً؟ هل للأمر علاقة بغلبة العنصر الذاتي عند تنظيمات المعارضة سواء “المصنفة” أو التي تعارض “بالمقطوع”؟ بالمناسبة، فقد مارس الاسلاميون في بلدنا صنفاً مميزاً من الذاتية بحيث بدا انهم يقبلون دمار كل شيء حولهم من أجل سلامة الجماعة! هل طرح هذا السؤال الأخير هنا، مجرد فشة خلق لا ضرورة لها… ربما، وعذري أن البلد فلة معارضة.
لكن تعالوا نتساءل: إن ظاهرة “فلة معارضة” هذه، تتجاوز بلدنا وتكاد تكون عامة وإن بدرجات. ولعل بعض التجارب الأكثر حيوية، تعطي إشارات بأن الشكل الذي توصلت إليه شعوبنا أو “استوردته”، لتنظيم معارضتها، قد شارف على الأفول.. والله أعلم!