زمانكم- أحمد أبو خليل
التقيت عْشِوِي “الغياثي” (نسبة إلى عشيرة الغياث) في منزله في الرويشد، بعد أن قيل لي إنه واحد من أشهر ثلاثة قناصي صقور في المنطقة، ولكنه أشهر الأحياء، وعمره الآن 82 عاماً. (أجريت المقابلة في أيلول 2013).
يقول: حضرنا إلى الرويشد سنة “تَشْليع بريطانيا” (سنة طرد كلوب من الأردن عام 1955) وسَكنّا فيها، وعملنا في “كَمّ” camp الانجليز بجانب الاجفور (الاسم السابق للرويشد)، ثم عملنا في العتالة في الجمرك الذي كان غرب الاجفور. كانت لدى كل منا هوية حمراء مثقوبة غير مجلتنة نتنقل بواسطتها كوثيقة اثبات.
“الصيد تِعَلّمْته مْن ابويْ، وْهُو تِعَلمه مِن ناس قَبُلنا، كان في واحد قَنّاص غْياثي (من عشيرة الغياث) اسمه حسن، توفى زِمان. أنا كُنت أصيد على بِسِكْليت (دراجة هوائية). واشتغلت صياد مرافق مع شيوخ الشّعلان”.
للصيد تقاليد عمل بسبب قلة الطيور وكثرة القناصين (عندما يقول الغياثي كلمة “طير” فإنه يقصد الصقر تحديداً). يخرج الناس في مجموعات، و”يتخاوون” (يعلنون أخوتهم)، ويتوزعون على مساحات متباعدة، مع كل منهم دربيل (منظار) ومعهم سيارة. ومِلْكية الطير تكون لمن يراه أولاً. يتحركون نحوه ومعهم حمامة بعد أن يتم تلبيسها شبكة خفيفة ذات “عيون” (أي ثقوب)، وتبدأ عملية ملاحقة صعبة، حيث يبدأون بتطيير الحمامة أمام الصقر على سبيل إغرائه بالتقاطها، فإذا فعل، فإنه سيحاول الطيران، بينما تكون مخالبه قد وقعت في “عيون” الشبكة، فيحاول التخلي عن الحمامة لكنه لا يستطيع، فيطير قليلاً ثم يهبط، ثم يطير ويهبط، وهكذا حتى يتعب على الأرض، فيأتيه القناص بحذر ويرمي عليه غتُرْتُه (أي حطته)، ثم يهجم وقد جهز “كتّافيّة” خاصة لتربيط الطير، فيمسكه ويغطي رأسه ويوثق رجليه.
في هذه الأثناء يتجمهر عادة عدد كبير، مُعلنين أن شركاء في الطير لأنهم شاركوا في الملاحقة، وتكون القسمة وفق نظام معروف كالتالي: نصف سعر الطير لمن رآه أولاً، وباقي الشركاء لهم النصف الثاني.
تبدأ بعد ذلك مرحلة الترويض والتدريب، وهي عملية منفصلة تتم بعد بيع الطير، لمدة تصل لأربعين يوماً، يتم فيها تجويع الصقر؛ يطعمونه يوماً ويحرمونه يوماً، بحيث يبقى محافظاً على حياته، وعندما يتعب ويتهاوى جسمه، يطعمونه جيداً وبسخاء وتبدأ عمليه الاطلاق التجريبي، فيبرطونه من رجله، فإذا حاول الهروب، يعاقبونه بالجوع مرة أخرى، حتى يعتاد الرجوع الى يد صاحبه. يقول عْشوي: “الصقر ما له دوا غير الجوع”.
تختلف مدة الترويض حسب النوع والعمر، فالطير “القرناس” أي الكبير في العمر (10 سنوات مثلاً) يحتاج لزمن طويل، بينما الفرخ لا يحتاج سوى لزمن قصير. وتختلف أسعار الصقور حسب النوع واللون ونعومة الريش وجماله.
يستخدم الصقر بعد ترويضه وتدريبه في القنص، أي قنص الطيور والغزلان والأرانب، فيطلقونه على القطا والحباري فيمكسها ويعود بها الى صاحبه، الذي يذبحها ويطعم رأسها للصقر، ثم يطلقه نحو طريدة أخرى.
في البادية الشرقية، كما في الجنوبية، يعتبر القنص موسماً يشارك به كثيرون، أغلبهم يعتبره وقتاً للترويح عن النفس، أو وفق تعبيرهم “كَشْتة” فيخيمون كمجموعات من الأصدقاء، والمحظوظ منهم من يحظى بطائر.