أحمد أبوخليل
تتذكر السيدة سلوى رفيقة درب يعقوب زيادين سببين جعلاها تتعلق به وتحبه قبل حوالي 70 عاماً وتقول: السبب الأول أنه لما سألته عن سبب قدومه إلى لبنان لدراسة الطب أخبرها أن قريته “السماكية” في الكرك، تخلو من الأطباء وأن الناس فيها فقراء ويحتاجون لمن يعالجهم. أما السبب الثاني فهو أنهما كانا ذات مرة يتمشيان، وكان الطقس ماطراً، فانحنى يعقوب وأخذ عود نبات جاف، وغرسه في الأرض ثم أخرجه ونظر إليه، فقالت له: ما الذي فعلته؟ فأجابها أريد أن أعرف عمق الرطوبة في الأرض. وتضيف أم خليل: قلت في نفسي هذا فلاح يحب الأرض… ولهذا تعلقت به.
كلام أم خليل هذا كان قبل أشهر قليلة، وقد جلست معهما لأكثر من ساعتين طالباً منها السماح لي بقدر من “نكشة المخ” عليهما.
في سياق الكلام، تساءلت أم خليل عن سبب كثرة الإطراء الذي ناله أبو خليل مقارنة بغيره؟ ثم أجابت بنفسها: “لأن حياته كانت شريفة”. ثم راحت تفسر: ينبغي على المناضل أن تكون له خلفية أخلاقية، ولتكن ما تكون تلك الخلفية؛ دينية أو اجتماعية، لأن تخلّي المناضل عن الأخلاق لصالح المبادئ الجافة يقوده إلى الفشل.
في كل مرة زرته فيها، كان يبادرني بالسؤال عن “البلد”. لم يكن سؤاله يعود إلى انقطاعه عن الأخبار والناس. فالواقع أنه صار في سنواته الأخيرة أكثر ميلاً للقراءة والمعرفة والمتابعة. لقد توقف منذ حوالي 10 سنوات عن الذهاب للعيادة، وتفرغ للقراءة في الكتب والصحف.. وعلى الانترنت أيضاً، وقد سعدت عندما طلب مني أن أضع له رابط موقع “زمانكم” على شاشته كي يسهل له التعامل معه.
كان في سنواته الأخيرة قلقاً بكل تأكيد، لكنه لم يكن شكّاءً ولا لوّاماً، ولعله انفرد بحيوية ذهنية عالية، فلم يتوقف عند تراجع مشروعه في الحزب الشيوعي، بل ظل يتمتع بأفق أوسع بكثير من أفق التحزب الضيق.
لطالما كان يتحدث عن استنتاجاته: “مين هذا محمد السنيد، هذا شكله نقابي جيد وباسل.. يعني الدنيا فيها خير”.. “هذا الذي يقوله حسن نصر الله شي جديد ومهم ولازم الناس تستفيد منه”… “هذا اللي يجري في امريكا اللاتينية من مواجهة للامريكان وبجانبهم شي عظيم”.. “سورية عم بتواجه كل هؤلاء الأعداء، وتصمد هذا شي مهم”..
بعد أن ينتهي من الأسئلة العمومية، يسألني فجأة: هل لديك زيت زيتون؟ عندي الكثير منه. وعندما أصر على الاعتذار، كان يكمش كمشة من الشوكلاتة التي كانت متوفرة دوماً أمامه، ويقول لي: خذ لبناتك.. وعادة ما كنت أفعل، وعند العودة أقول لصغرى بناتي: هذا من صديقي، الحجي يعقوب.
رحم الله صديقي الحجي يعقوب، والعمر المديد والصحة والعافية لرفيقة دربه.