زمانكم-
أحمد أبو خليل/ رئيس تحرير “زمانكم”
ملاحظة: كنت قد أجريت مقابلة مع المرحوم علي أبوخليل الطويق (والدي) قبل وفاته بسنوات، وكان موضوعها طرق تعلم القراءة والكتابة لغاية النصف الأول من القرن العشرين. المرحوم كان قد تلقى تعليمه عند “الخطيب” (الكُتّاب) في الرمثا في مطلع ثلاثينات القرن الماضي. فيما يلي توثيق لما تحدث به المرحوم.
“يوميات فك الخط وتركيبه”/ تعلم القراءة والكتابة قبل التعليم الرسمي
ماذا كان يتعين على طفل في قرية أردنية في مطلع القرن الماضي أن يفعل كي يتعلم القراءة والكتابة؟
الكلام هنا على زمن لم يكن فيه التعليم يدار بشكل مركزي، بل كان يعتمد على المبادرة الذاتية من قبل “القرّايْ”، أي الطالب بحسب الكلام آنذاك، ومن قبل “الخطيب” أي المدرس الذي يقوم بمهمته في “المكتب” أي المدرسة.
يروي الحاج علي (80عاما عند إجراء المقابلة عام 2005 وقد توفي مؤخراً عن 90 عاماً) أنه كان أمام “القرّاي” في الرمثا -مثلا- ثلاثة خيارات، أو ثلاثة “مكاتب” لتعلم القراءة والكتابة هي: مكتب الشيخ محمد العبدالله ومكتب الشيخ صالح العامر والمكتب المشترك للشيخين علي الخطيب وابو ذياب الغانم.
“لْواحي” و “رْباعي”
…”بالنسبة لي” يقول الحاج علي”سجلت في مكتب صالح العامر وصرت “لْواحيّاً”.
و”اللواحي” وجمعه “لْواحية” هو الطالب حامل اللوح أي قطعة الصاج المعدنية مستطيلة الشكل والتي تستخدم للكتابة عليها بواسطة قلم القصب الذي يتم تهذيب طرفه كي يسهل غمسه في الحبر الذي كان يباع على شكل مسحوق تجري إذابته في الماء، وبعد سنوات تم التعرف على الورق والريشة المعدنية التي تغمس في الحبر أيضا.
كان المكتب جزءا من منزل الخطيب، وهو أي المكتب مكون من غرفتين، واحدة لـ”اللواحية” والثانية لـ”الرْباعية” أي الطلاب الذين بدءوا بدراسة أرباع القرآن الكريم بعد اجتيازهم المرحلة الأولى.
تتكون السنة الدراسية من ثمانية شهور، تبتدئ بعد إتمام موسم الحصاد وتنتهي مع بداية الموسم. أما اليوم الدراسي فعلى فترتين، واحدة صباحية تجري فيها الدروس أما المسائية فتتم فيها إعادة ما تم تعلمه في الصباح.
كان الخطيب شخصية محترمة في القرية، مما أتاح أمامه فرصة ممارسة أقصى درجة ممكنة من الضبط للعملية الدراسية، حيث كان يتعين على الطالب أعادة السنة الدراسية بالكامل إذا كان مقصراً.اما المتغيب عن الدوام فقد كان الخطيب يرسل اليه اثنين او ثلاثة من طلابه الأقوياء كي يجلبوه قسراً من منزله. اما العقوبات للكسالى والمقصرين فقد كانت تتنوع بين “الفلكة” أي الضرب على الرجلين بعد توثيقهما، أو الحجز في مكان ضيق مثل “الكْوارة” وهي مخزن القمح الذي يفتح من باب علوي.
الخجاوي
في الثلاثينات بدأ التدخل المركزي الحكومي في التعليم في هذه القرى.
يقول الحاج علي: “كان يزور المكتب أشخاص يسمى الواحد منهم (خجى) أو (خجاوي) (1) وهو لقب كان يطلق على من يرتدي الملابس الإفرنجية، أي البذلة الرسمية، وكان (الخجى) يطلب من الخطيب تزويده بأسماء الطلاب المميزين منا لكي يتم استيعابهم في مدرسة الحكومة التي أنشئت حديثاً، ولكن لم يكن كل أهالينا يوافقون على استمرار أولادهم في الدراسة، واذكر أن جدي جاء الى المدرسة واصطحب ابنه- أي عمي الذي كان قد قُبل في المدرسة- وخاطب المسؤولين قائلاً:خرج حشيش أحسن منكم ومن مدارسكم”.
إن الدافع الرئيسي لتعلم القراءة والكتابة كان دينيّاً، وإن كان الطالب يتعلم بالإضافة الى ذلك، الحساب البسيط وكتابة الرسائل وتحرير عقود البيع والشراء والدَّين وسداد الدَّين وغير ذلك من أمور التوثيق الضرورية آنذاك.
تكلفة الدراسة
تنقسم أجرة الخطيب أو “أجار الخطيب” كما كان يقال آنذاك، الى عدة أشكال وتتوزع على عدة أزمان كالتالي:
1-أجرة يومية، وتسمى “المعلوم” وهي عبارة عن رغيف من الخبز.
2-أجرة أسبوعية وتسمى “خميسية” لأنها تدفع يوم الخميس، وهي عبارة عن “راس بصل” أو بيضة او ما يعادل ذلك.
3-أجرة سنوية تدفع “على البيدر” أي مع نهاية الموسم وهي عبارة عن “مُدْ” من القمح أي ما يعادل حوالي عشرين كيلوغراماً.
4-هدية تدفع عند ختم جزء عمّ من القرآن الكريم، ويفضل أن تكون ديكاً، وكان الخطيب يقول: “جزء عمّ.. ديك مسمّى”.
طريقة التدريس
كان تدريس القراءة والكتابة يتم بطريقة معقدة الى درجة كبيرة، وكانت عملية التدريس تقسم الى ثلاث مراحل، الأولى مرحلة دراسة الأحرف بحسب وجود نقاط عليها ام لا، والثانية دراسة تشكيل الأحرف والثالثة دراسة طرق وصل الأحرف ببعضها البعض، وفيما يلي تفصيل لتلك المراحل، وسيرد الحرف والى جانبه طريقة لفظه:
اولاً: حسب التنقيط:
أ: أليف لا شيّ عْليها
ب: الْبي وحْدِهْ من تحتا
ت: التي ثنتين من فوقا
ث: الثي ثلاث من فوقا
… وهكذا حتى تنتهي الأحرف، وكانت العبارات السابقة تغنى ويتم ترديدها خلف الخطيب.
ثانيا: تعلم تشكيل الأحرف:
أَ: آه قَطْعَهْ ناصْبِهْ
إِ: إي قَطْعَهْ خيفْضَهْ
أُ: ؤ قَطْعَهْ رُوفْعَهْ
أْ: آه إيْجَزَم
0000000
بَ: باناصاب
بِ: بِيخيفاض
بُ: بُورُوفَعْ
بْ: أبّيجَزَمْ
0000000
ت: تاناصاب
تِ: تِيخِيفاض
تُ: تُوروفَع
تْ: أتّيجزم
…وهكذا حتى نهاية الأحرف
أما التشديد فكان يتم تعليمه كالتالي وسنأخذ مثلاً حرف الباء:
بَّ: با شَدّهْ ناصْبِهْ
بِّ: با شده خِيفْضَه
بُّ: با شده رُوفْعه
… وهكذا
أما الشدة مع التنوين كالتالي:
بً: با شده ونصبتين
بٌ: با شده ورفِعْتين
بٍ: با شده وخِفِضْتين
ثالثاً: تعلم وصل الأحرف
ألف: الف لام في
با: باباليف
بي: بُوبايي
بو: بوباواو
به: بي وهيه
اب: اليف وبيه
0000000
تا: تاتاليف
تي: توتايي
تو: توتاواو
ته: تي إوْ هيه
ات: أليف اِوْ تيه
…وهكذا
اما نهاية تعلم توصيل الحروف، فيكون عبر تعلم مجموعات الأحرف: أبْجَد، هَوّزْ، حُطّي، كَلَمُنْ، سَعْفَصْ، قَرُشَتْ، ثَخَذٌ، ضَظَغٌ.
بهذا يكون ” اللْواحي” قد أنهى هذه المرحلة وبمقدوره إذا أراد الانتقال الى مرحلة “الرباعية” حيث سيتعلم القرآن وباقي التعاليم الدينية والحساب وكتابة الرسائل وبعض المهارات الأخرى… وهذا مجال تناول آخر.
(1)يبدو أن كلمة “خُجى” و “خْجاوي” هي تحريف محلي لكلمة “خواجا”.