زمانكم-
هذه حكاية طريفة ونادرة تعود إلى عام 1952/ 1953، ومكانها سجن الجفر وأبطالها ثلاثة ينتمون إلى أول مجموعة معتقلين سياسيين في الجفر وهم:
حسن سعود النابلسي خريج الكيمياء من الجامعة الأمركية في بيروت وسكرتير لجنة السلم الأردنية حينها والمزارع حتى الان (كما يسمي نفسه)، وعيسى المدانات المناضل المعروف وعضو مجلس النواب لاحقا وخريج كلية العلوم من الجامعة الأمريكية في القاهرة، والدكتور والشاعر عبدالرحيم بدر.
وسوف نترك الرواية لأحد صناعها حسن اسعود النابلسي أطال الله عمره، وقد رواها لي قبل حوالي عامين.
يقول النابلسي:
“كنا معتقلين في قضايا ما كان يعرف حينها بلجان السلام العالمي، وكنتُ في السجن مسؤولاً عن مشتريات المعتقلين التي كنا نحضرها عن طريق الإدارة، وذات يوم قال الدكتور عبدالرحيم لي: أريد أن تشتري لي بعض الكاكاو وسجاير جولد ستار، لأنني سأقيم احتفالاً بميلاد ابنتي ليانة، وستأكلون البيض المقلي وتشربون الكاكاو وتدخنون “جولد ستار”.
يقول النابلسي: “كان دخاننا الاعتيادي يشبه الهيشي اسمه “مَنْظوري” نلُفّه لفاً، ولهذا كان دخان “جولد ستار” يعد حلماً، أما الكاكاو فهو لم يكن مطروقاً في الأصل. وأبلغَنا عبد الرحيم بدر، أنه يمكننا إلقاء كلمات في الاحتفال، فجلست مع عيسى جانباً، ونَظَمْنا قصيدة فكاهية، وألقيناها فعلاً في الاحتفال، وكانت مكافأتنا (عيسى وأنا) العديد من سجائر “الجولد ستار”، فيما نال الآخرون سيجارة واحدة لكل منهم، كما شربنا الكاكاو، وقبلها تناولنا البيض المقلي بالسمن على نفقة الدكتور صاحب الاحتفال”.
تقول القصيدة المشتركة بين عيسى مدانات وحسن النابلسي، التي لا يزال الأخير يتذكرها حرفياً:
بِروائحِ البَيضِ الزّكيّة عَبقتْ خياشيم البريّة
وبِبَقْبقات السّمن في المقلى تدُبّ في مَسْمعيّ
أبعدتُ عني الكرى ورفضت أحلام العشيّة
وتساءلتْ نفسي: تُرى هل من جديد في القضية؟
أأبو حنيك (كلوب باشا) يرتضي للقوم أطباقاً شهية؟
أوَهكذا عيش السجون وهل معيشتها رضية؟
فأتى الجواب متمماً من قبل إتمام البقية
بين الصفوف “أبو لِيانة” (عبدالرحيم بدر) سار مع حلو التحية
اليوم عيد “ليانة” فاستبشروا يا سَرْسَرِية
فطوركم بيض وحفلتكم مساءً حاتمية
فيها الكاكاو شرابُكم كَيْما ينعشكم شُويّة
وتدار ثمة سجائر ليست سجاير أنظرية (سجائر اسمها منظوري رديئة النوع)
في مثل هذا اليوم من سنتين طلّت للبرية
بنت الرحيم أبي كمال البدر أهلاً بالبُنَيّة
في شكل والدها سوى بعض الفروق الأوّلية
فيها اللطافة والظرافة والذكاء والألمعية
ولها شمائله الظريفة شنشنات ألعبية