زمانكم-
من المستبعد أن يوجد رجل أو امرأة في الرمثا والقرى المحيطة بها لا يوجد له أو لها ذكريات مع “ابوزيد”، أقدم وأشهر صانع حلوى ومُحمّص بذور في تلك المنطقة.
أبوزيد (محمود أبو كرمة الزعبي) قصة من القصص الحورانية الجميلة، التقيته قبل وفاته في تشرين أول 2011 لقاءين طويلين:
ولد عام 1924 في الرمثا، لم تعمل أسرته في الفلاحة كباقي السكان. وكغيره من فتيان ذلك الزمن، حاول العمل في “التهريب” وهو سن الخامسة عشرة. لم يوفق كثيرا. سافر في مطلع الأربيعنات إلى يافا في فلسطين، نام ليلته الأولى في الشارع “دَحِل” كما قال لي. وفي اليوم التالي صادفه ابن بلدته المرحوم عارف الخزاعلة الملقب “الحلو” وتوسط له للعمل في الميناء في تثبيت قاطرات مخصصة لنقل البضائع يجرها تركتور.
بعد ستة شهور في الميناء، تعرّف على أبو علي اليافاوي، وكان يملك معمل حلويات (هريسة، كنافة، فوندان). عمل لديه 3 سنوات وتعلّم الصنعة وعاد إلى الأردن، وعمل في اربد في معمل “راحة” لصاحبه عبداللطيف أبو بكر، ثم عند صالح أبو دبوس. وبين عامي 1957- 1960 سافر إلى السعودية واشتغل في معمل حلويات.
عام 1961 افتتح اول معمل خاص به في الرمثا في منزل “احمد عايد الدردور”، وكان بذلك اول من اشتغل في صناعة الحلويات في الرمثا، وشكّل ظاهرة في المنطقة ككل، فهو الولد الذكي الذي يستطيع إدخال حبة الحمص داخل إطارمن السكر فيصنع منها “الفيصلية” و”المخشرم” و”القوم”. وهذا الأخير “القوم”، كان يعتبر حلوى الحصّادين والدرّاسين بلا منازع، وكان يبيعه لهم ساخناً، ففي موسم الحصاد والدّراس كان أبوزيد ينقل أدواته الى البيادر، حيث لا ألذ من كيس “قوم” من عند ابو زيد، طعم لا ينسى فعلاً.
الأطفال لهم نصيب كبير من حلوى وبذور أبو زيد المحمصة، فالطفل الذي يتلقى “بْراكته” (وهي حفنات القمح التي يوزعها الفلاح على الأولاد على سبيل مباركة المحصول) كان يسرع بها الى أبوزيد لكي يقايضها بحفنة من “فيصلية” أو “قمبز” أو قطعة من “كعيكبان”. أما حلوى المناسبات في بيئة فلاحية (طهور، ولادة..) فكانت الاختصاص البارز له، يكفي ان تقول له: أريد “حلوى نفاس” أو “حلوى طهور” حتى يجهز لك المطلوب.
ذات سنة من سنوات المحل والجفاف، انتقل إلى عمان وعمل في مصانع حلويات خالد هيكل الشهيرة، وبأجرة مغرية (60 قرشاً يوميا) ولكن الظروف العامة كانت صعبة، فترك العمل وعاد للرمثا، وقد لحقه خالد هيكل وطلب من والده أن يحثه على مواصلة العمل معه، ولكنه لم يقبل.
زرته قبل وفاته مرتين وسجّلت بعضاً من ذكرياته، فقد ظل مواظباً على عمله في دكانه الصغيرة حتى شهوره الأخيرة. وقد لفتت انتباهي أناقته، فصانع الحلوى لا بد وأن يكون حلو المنظر، وعندما سألته عن ذلك ضحك وذكر لي أنه صنع الى جانب الحلوى بعض أدوات الزينة لأهل الرمثا، فهو اول من صنع “طلاء الأظافر” مثلاً، وكان ذلك في الستينيات.
المرحوم ابو زيد تزوج من أربع نساء وأنجب 26 نصفهم من الذكور ونصفهم من الإناث. رحل بعد أن عاش حياة تختصر كل ما هو حلو وجميل في الرمثا وحوران الأردنية.
أحمد أبو خليل/ رئيس تحرير “زمانكم”