زمانكم-
في ذكرياته التي نشرتها صحيفة “الغد”، يروي الدكتور عبداللطيف عربيات (القيادي الإخواني) عن حادثة حصلت معه عام 1950 عندما كان طالباً في مدرسة السلط، وتتلخص الحادثة في مشاركته في مظاهرة احتجاجاً على عدوان يهودي على منطقة “مرشرش” في العقبة.
في تلك السنة كان الأستاذ عيسى مدانات (وهو من مؤسسي الحزب الشيوعي)، مدرساً في المدرسة لمادة العلوم، وكان قد تخرج للتو من الجامعة الأمريكية في القاهرة، وعُيّن في المدرسة التزاماً بتسديد ما عليه، لأنه درس السنة الأخيرة على نفقة الحكومة، وذلك بمساعدة من مفتش المعارف (وكيل الوزارة) صياح الروسان.
ننشر فيما يلي رواية الدكتور عربيات عن المظاهرة وعن التحقيق الذي جرى معه ومع زملائه، ثم ننشر رواية عيسى مدانات للحادثة التي بسببها فصل هو وزميله ابراهيم العايد الذي كان قيادياً في حزب البعث. وقد ورد كلام مدانات في مخطوطة مذكرات لم تنشر.
يقول الدكتور عربيات:
“في الصباح بدأنا بالتجمع في ساحة الكراجات والتظاهر في شوارع المدينة، وقمنا بتنفيذ ما اتفقنا عليه وطفنا في الشوارع أكثر من مرة خلال أقل من ساعة، وهتفنا ضد اليهود والحكومة التي لم ترد عليهم. عند جولتنا الأخيرة عندما وصلنا منطقة كراجات خشمان، أي مقابل المركز الثقافي في السلط اليوم، شاهدنا الأستاذين إبراهيم العايد [بعثي] وعيسى مدانات [شيوعي] في سيارة من نوع “فيات” صغيرة، وأشارا لنا باليد نحو عمان، فهتف بعض الطلاب: “على عمان، على عمان”.
اتجهت المظاهرة نحو البياضة وطريق عمان… (يكمل الدكتور رواية ما جرى في الطريق) ثم يقول إنه بعد يومين تمت دعوتهم للتحقيق في المتصرفية.
“ظل المحقق يسألني ويكتب ما أقول، وبعد التحقيق سألني: هل رأيت أحداً من المعلمين؟ فقلت: رأيت فلانا وفلانا في سيارة. قال لي: إذا سمحت وقع في نهاية الصفحة، فوقعت، وقال: شكراً مع السلامة. في ما بعد، عرفنا أن الذي حقق معي هو المرحوم حسن الكايد، مدعي عام عمان آنذاك”.
بعد أسابيع، دعينا نحن الذين حقق معهم في المرة الأولى إلى المتصرفية، وكان الكايد جالساً على جنب وهناك محقق آخر وأظنه المتصرف. فقال: هل هذا توقيعك؟ قلت: نعم. قال: هل هذا خطك؟ قلت: لا. قال: أريد أن أقرأ عليك الشهادة التي أعطيتها، فإذا وجدت خطأ أو اختلافاً قل لي هذا خطأ. قرأ الشهادة، فقلت له: نعم، هذه شهادتي ولا زيادة ولا نقصان. فقال: شكراً، وقع مرة أخرى هنا، ففعلت ما طلب، لأفهم فيما بعد أن مجلس النواب طلب التدقيق وإعادة التحقيق، وقد شعرت أن المحقق الأول كان مسروراً من عدم تغيير شهادتي.
رواية عيسى مدانات
“اتهمنا بنشر معتقدات سياسية يسارية في أوساط الطلبة، وأوفدت الحكومة برئاسة سمير الرفاعي وكيل وزارة المعارف الأستاذ صياح الروسان للتحقيق في الأمر.. وحضر فعلاً واستجوب كلينا ابراهيم العايد وأنا واستجوب كذلك عددا من الطلبة فيما إذا كانت التهمة صحيحة.. وخرج باستنتاج بأن لا أساس لها من الصحة،وبعث بتقريره للرئاسة.
غير أن رئيس الوزراء بدلا من طي الموضوع، لجأ لإيفاد المدعي العام يومئذ للتحقيق في الأمر! والغريب أن المدعي العام ذاك لم يهتم بدعوة المتهمين الاثنين لسماع وجهة نظرهما، وإنما لجأ لدعوة عدد من الطلاب الذين كانوا على صلة بجماعة الإخوان المسلمين، ورئيسها يومئذ المرحوم محمد عبدالرحمن خليفة، الذي لم يكن مرتاجا لوجودنا في المدرسة، وهكذا سطر المدعي العام التقرير المطلوب لإنهاء خدماتنا! وكان يتوجب في مثل هذه الحالة أن ندفع مبلغا للوزارة لقاء الإنفاق على تدرسينا، إلا أن أحدا لم يطالبنا بشيء”.