زمانكم-
“لما رأى الحلبيون أول مشهد لباشا تركي يدخل مدينتهم والياً عليها ومعه عسكره، ولّفوا له طبخة أسموها “الباشا وعسكرو” أطلقوها على الششبرك (وهي بالمناسبة الطبخة التي يسميها بعض أهل شمال الأردن “أذان الشايب”) يطبخونها مع طابات الكبة بلبن على نار هادئة، والششبرك عجينة تجعلها النساء على هيئة الأذن الآدمية رمزاً للباشا الذي مهمته سماع شكوى الناس، كما رمَزْنَ بالكبة المخروطية إلى عسكر الباشا الذين يأكلونها بتلذذ منقطع النظير.
موكب الباشا يكون مهيباً، تتقدمه تسعة جياد، على كل جواد ترس فضي مذهب وسيف وصولجان، فضلاً عن عشرين جواداً على نسقين يقادون باليد، ومن بعدهم “الديلباشي” قائد الدلاتية وهم الجنود الفرسان، ثم الجند والانكشارية.
يلي هؤلاء القسم المدني من الموكب، وفيه “التفنكجي باشي” وتحت إمرته “البيرقدار” أي حامل البيرق، ثم “الاق تفنكجي باشي” الذي يقف على باب غرفة الباشا وبيده قضيب طويل إمعاناً في المهابة، ومن بعده “جولاقوداري” رئيس الحراس الليليين، و”تاتار باشي” صاحب البريد، ثم “الباش جوقدار” ومعاونه “اشكنجي جوقدار” و”مطرجي باشي” حامل قربة ماء الباشا إذا عطش، ثم “تخشي باشي” حامل أذناب الخيل، خصوصاً ذنب حصان الباشا حتى لا يتمرغ بوحول الرعية وغبارها، ثم “آربه أميني” وهو الموكل على الشعير الخاص بخيل الباشا، وله كمشة شعير على كل علوفة لكل رأس، ثم “شروان باشي” الموكل بجِمال الباشا –بكسر الجيم- وبغاله وحميره!
كان عدد أفراد حاشية الباشا العثماني أكثر من مئة، ولكل منهم مسمى وظيفي خاص ومهام ملقاة على عاتقه.
من هؤلاء “الخازندار” وهو مسؤول الخزينة والحسابات، ثم “السّلحدار” وهو حامل سيف الباشا، ويقعد عن يسار الباشا، فإذا قام الباشا مشى وراءه، و”الجوخدار” وهو حارس ثياب الباشا، و”المهردار” وهو حامل ختم الباشا، و”البيرقدار” حامل العلم، و”القهوجي باشا” الذي يدور بفناجين القهوة المُرة في مجلس الباشا، و”البشكير باشي” يشرف على طعام الباشا، و”دنجي باشي” الذي يشعل البخور، و”القفطان آغاسي” الذي يضع الوشاح على كتف الباشا، و”الحراماجي باشي” الذي يشرف على حمام الباشا، و”المعجون آغاسي” وهو من يقدم المشروبات في مجلسه، و”التتنجي باشي” يهتم بدخانه وأراجيله، أما “الشماشرجي” باشي فمهمته خاصة بالثياب الداخلية للباشا وهذا يكون من الموثوقين جداً خشية أن يذيع عورات الباشا على الرعية.
ومن أطرف أفراد الحاشية بالإضافة إلى ما ذكر هو “السلام آغاسي“، وهو الذي ينوب عن الباشا في القاء التحية على الرعية عندما يمر موكبه، فيقول: سلام ورحمة الله، بينما يكتفي الباشا بالنظر يميناً وشمالاً رافعاً يديه إلى صدره.
كان باشوات حلب لا يتذمر أحدهم من طعام ولا يتخلف عن وليمة، ولا يتورع عن هدية مهما تكن تافهة ردية، وكان بشوشا على الدوام، بطيئا، يحمل صرة من “الكمّون” يرشه على الأطباق رشاً، ومن فوائده –أي الكمون وليس الوالي- إزالة التخمة وامتصاص ما تخمر في الأمعاء من الغازات، فمن المعيب أن يفقعها الوالي في مجلس، إذ ربما ظن الناس أنها طبول الحرب فارتاعوا”.
ملاحظة: المادة من عرض لمحتوى أحد المخطوطات التراثية عثرنا عليه في أحد أعداد صحيفة “الحياة” اللندنية