زمانكم-
هذه صفحة من تاريخ العمل الحزبي السري في الأردن. نعرض فيها وثيقة صيغت بلغة سياسية نادرة في تلك الأيام، ويتيح محتواها اليوم فرصة للاطلاع على مفردات الحياة السياسية في بلدنا قبل نصف قرن (في أوساط العمل المعارض السري على الأقل).
فبعد عقدين على تأسيسه، تعرض الحزب الشيوعي الأردني لأول وأشهر انشقاق، وذلك إثر خلاف حاد في وجهات النظر حول موقف الحزب من أحداث أيلول 1970 (الصدام بين الجيش والأجهزة الأمنية وبين المنظمات الفدائية)، وقد سبق الانشقاق نقاش حول الأسباب والمجريات وتحديد المسؤوليات.
تفاقم الخلاف ونشر احد الفريقين وثيقة تبين موقفه، وفيما بعد اعتمد لنفسه تسمية “الكادر اللينيني في الحزب الشيوعي الأردني” فيما استمر الفريق الثاني تحت الاسم الرسمي المعروف: “الحزب الشيوعي الأردني”.
كالعادة في الانشقاقات الحزبية، أطلق كل فريق تسميات تخدم في سياق الإدانة، غير انه يلاحظ ان الحزب “الرسمي” أكثر من التسميات والألقاب للفريق المنشق، ومن تلك الألقاب: “الزمرة المنشقة” و”الزمرة المرتدة” و”السلافتة” (نسبة إلى زعيم التيار فهمي السلفيتي)، أو “جماعة إميلي” (نسبة إلى السيدة اميلي نفاع أحد قادة الكادر) بينما كان “الكادر اللينيني” (المنشق) مقلاً في الألقاب الموجهة للخصم، مكتفيا بتسميات وأوصاف سياسية منها:”التيار القومي” أو “الانتهازي” المغامر”.
نعرض فيما يلي بعض صفحات من وثيقة الانشقاق، التي يقال أن صياغتها الرئيسية كانت من قبل رشدي شاهين. وكانت بعنوان: “الوضع الراهن في الأردن والطريق الصحيح امام الحزب الشيوعي الأردني”
كعادة وثائق وتقارير الأحزاب الشيوعية، بدأت الوثيقة بالوضع الدولي ثم العربي ثم المحلي والحزبي.
نقدم فيما يلي مقتطفات قدّرنا أنها مهمة ومفيدة للقارئ المتعجل، ثم نقدم إلى أسفل صورة عن الصفحات من الوثيقة المتعلقة بالوضع الحزبي، ويمكن لمن يرغب قراءتها بالكامل كما نشرت:
الوثيقة بعنوان “الوضع الراهن في الأردن والطريق الصحيح أمام الحزب الشيوعي الأردني تقرير الكادر اللينيني كانون أول 1970” موقعة باسم اللجنة المركزية المؤقتة للحزب الشيوعي الأردن- الكادر اللينيني.
تقدّر الوثيقة وضع الحزب آنذاك، بأنه أصبح مشلولاً “بسبب سيطرة الانتهازية والشوفينية المغامرة على القيادة”.ص1
وترى أن “كوادر الحزب الأممية المثابرة في نضالها والتي تشترك في القلق على مصير الحزب نتيجة ما يسود صفوفه حالياً من تفكك وليبرالية وسيطرة فردية وعفوية في العمل وتذيل للبرجوازية.. دفعها إلى إجراء مشاورات ولقاءات فيما بينها لدراسة الوضع الخطير الذي يتعرض له حزبنا، حزب الطبقة العاملة والجماهير الكادحة في الأردن” ص2
وتقول: “قرر الرفاق الأمميون إقصاء القيادة الانتهازية والقومية المغامرة عن المسؤولية، واسناد أمر قيادة الحزب إلى لجنة مركزية مؤقتة”
انتقدت الوثيقة “الشعارات البرجوازية الصغيرة المغامرة، التي كانت تنم عن استهانة بالنضال الجماهيري المنظم وتدعو إلى الاقتصار على أسلوب العمل المسلح كأسلوب وحيد، مستمدة غذاءها الفكري من الماوية والتروتسكية والتشجيع المادي والمعنوي من أوساط مشبوهة مغرقة في رجعيتها”.
نظر الحزب إلى المعركة ضد العدوان كجزء من معركة الشعوب العربية الشاملة ضد الامبريالية والصهيونية.. وأن “القضية الفلسطينية هي إحدى القضاي المطروحة امام حركة التحرر العربية بكاملها، وليس أمام الفلسطينيين وحدهم”.
وتوضح الوثيقة أنه مرت فترة بين 1967 وأواخر 1968 ظلت الحركة الوطنية الأردني تنشط: “قام التجمع الوطني في الضفة الشرقية، وتأسست نقابات ومنظمات نقابية مختلفة، واستمالت أوساط من الجيش لفكرة حكومة الوحدة الوطنية. كان النشاط الفدائي موجوداً ولكنه لم يكن قد أَخضَع العمل الوطني لبرنامجه”.. “نظر للعمل الفدائي كجزء من النضال الوطني الأردني ولمنظماته كجزء من حركة التحرر الوطني الأردنية، وبالفعل، فقد أخذت الحركة الفدائية بعد حزيران 67 طابع مقاومة مسلحة للعدوان ذات مضمون معاد للامبريالية والصهيونية، واستطاعت تجنيد أوساط واسعة من الجماهير الأردنية في الضفتين”.30
“ان عدم وضع حركة المقاومة في موقها الطبيعي كجزء من الحركة الوطنية في البلاد، ضخم التصورات والأوهام في أذهان بعض قادة المقاومة وبعض قادة القوى والفئات الوطنية والتقدمية، وحال دون رؤية المهام الرئيسية والأساسية التي يجب العمل على تحقيقها على الصعيد الوطني”.
“مارس الاتجاه المغامر داخل الحركة الوطنية العربية عامة وفي الأردن خاصة، إرهاباً فكرياً وضغطاً على العمل الجماهيري عامة، وعلى حركة التحرر الأردني خاصة، ومن هنا بدأ تذيل الحركة الوطنية الأردنية لحركة المقاومة الفلسطينية”.
في عام 1969 “تنبهت حركة المقاومة الى النضال الجماهيري، وانتقد بعضها نفسه لموقفه السابق منه. وعمدت المنظمات وفق مفاهيمها الإقليمية إلى إقامة المنظمات الجماهيرية الفلسطينية العمالية والمهنية على النطاق العربي وإقامة فروع لها داخل الأردن، الأمر الذي انتهى إلى شعار الثورة الفلسطينية وتقسيم المنظمات الجماهيرية وإغفال دور الجماهير الأردنية في الضفة الشرقية، ودور فلاحيها خاصة، وإغفال دور جنود الجيش وضباطه الشرفاء”.
“اكتفت حركة التحرر الأردنية بالسير وراء حركة المقاومة الفلسطينية وتملقها والسير في ركاب بعض شعاراتها المغامرة، وأغفلت واجب العناية بالجماهير الأردنية، وأدى السلوك غير المسؤول أحياناً إلى تحييد أقسام من الجماهير واستعداء أقسام أخرى وخاصة في أوساط فلاحي الضفة الشرقية، أولئك الذين ساهموا دائماً في النضال الوطني ضد الاستعمار والرجعية، وظلوا صامدين في وجه الاعتداءات الصهيونية المتكرر، مقدمين التضحيات المتتالية من خلال دعمهم ومشاركتهم للمقاومة الفلسطينية”.
“غاب عن بال الحركة الوطنية أنهها استطاعت قبل خمسة عشر عاماً أن تلف حولها كل الشعب وتقوده في معارك وظفرة ضد تمبلر وحلف بغداد المقبور عام 1955 وفي معركة تعريب الجيش وإلغاء المعاهدة البريطانية، وأن تجعل أقساماً هامة من الجيش آنذاك تقف إلى جانبها وتساهم في تحقيق أهدافها”. ويرى التقرير أن “الاتجاه القومي في الحزب برز منذ عام 1965”.
وتشرح الوثيقة الظروف التي فيها “جرى اعتبار حركة المقاومة الفلسطينية، وهي حركة وطنية بالطبع، سلطة وطنية أردنية”. وانتقدت الوثيقة، “سعي الحزب للدخول في اللجنة المركزية لمنظمة التحرير والانصياع لمطلب التماثل مع أهداف منظمات المقاومة”.