زمانكم-
أحمد أبو خليل/ رئيس تحرير الموقع
هل أكلت آخر رغيف على “السعر القديم”؟
حتى الذين “فَلّلوا”، أي الذين اشتروا الكثير من الخبز قبل رفع سعره، من المرجح أنهم يأكلون الآن آخر أرغفتهم التي اشتروها، أما “أكلة الخبز” المميزون، فربما ودعوا الرغيف الأخير مبكراً.
لقد اقتصر النقاش المنشور عن الخبز، على “نُخبة” المستهلكين، وبعضهم ممن يتعامل مع الخبز كنوع من “اكسسوارات” وجبة الطعام. ولهذا ربما لاحظتم أن أغلب المشاركين في هذا النقاش استخدموا عبارات مثل: “رغيف المواطن” أو “خبز الشعب” ولم نسمع أياً منهم يقول: “رغيفي” أو “خبزي”.
أما المتضررون فعلاً، فلم يكن لهم من النقاش العام المنشور حصة تُذكر. لكن من المؤكد أنهم “تناقشوا” وسيتناقشون أكثر في قادم الأيام، ولكن بطريقتهم؛ التي تتخذ شكل مشاجرات أسرية متفاوتة المستوى، ومطالبات مباشرة أو غير مباشرة بتصغير لقمة الخبز، وصراخ وضربات للأولاد الذين أهملوا قطع الخبز الصغيرة أو تعاملوا معها باستخفاف، ووصايا بالحذر من زميل قد يسرق ساندويشتك… وما شابه.
واقع الأمر، أن الفئات التي سيكون لارتفاع السعر أثر حقيقي ومؤلم على موازنتها، موجودة رغم قلتها العددية، أعني هنا، الفئات التي تقترب مما يسمى “فقر الغذاء” أو الفقر المدقع، وهي على العموم بعيدة عن عيون العاصمة (كل العيون، الموالية والمعارضة معاً). هي فئات مُقْصاة فعلاً ويتعاظم إقصاؤها، ولكنها أبداً ليست ثابتة الحجم، فهي في ازدياد، سيما وأنها تتركز في مجموعات فقدت وتفقد باضطراد طرقها المعتادة لتحصيل الرزق، أعني المناطق في أقصى البادية وأقصى القرى، التي تتكون منها خارطة جغرافيا الفقر في الأردن. وبالطبع لا يعني هذا أن المدن خالية من هذا الصنف من الفقراء.
توجه كثير من نشطاء النقاش العام المعارضين باللوم للشعب الذي لم يتحرك ولم يحتج، واستخدموا في وصفه كلمات قاسية، أما الحكومة فاعتبرت ذلك تفهماً ووعياً، وربما تستنتج أن اجراءاتها وحملاتها المسبقة هي “قصة نجاح” في مهارة إدارية من ابتكارها اسمها: “كيف تسبب الأذى من دون شكوى المتأذي”! إلى درجة أن الجمهور قابل الإجراءات بانفعالات اعتبرت نوعاً من “السخرية”، وبذلك تكون الحكومة أيضاً قد نشّطت دورة خفة الدم عند الشعب.
أغلب الظن (ظني على الأقل)، أن قدراً من الانشداه العام يسود منذ زمن في بلدنا. ولنتأمل بسرعة السنوات القليلة الماضية: لقد أدى الشعب الأردني أداء وطنيا ممتازاً، وأسهم بحصته وأكثر من حصته، في الحفاظ على البلد.
بالنسبة لي أجزم أنني رأيت ما يشبه الانتباهه الوطنية العامة في عيون الأردنيين، عندما لاحظوا طبيعة الخيارات المتاحة أمامهم، وكيف أصبحت “الثورات” والاحتجاجات والتمردات صناعة إعلامية في هذه العاصمة او تلك. لقد أجرى الأردنيون على المستوى الشعبي، مقارنات دقيقة بين “المُرّ” و”الذي أمَرّ مِنه”، وقاموا بـ”دراسة جدوى وطنية” للاحتجاج في ظروف لا تتيح سيطرة وطنية على المجريات والمسارات.
رأيت تلك الانتباهة الشعبية النادرة في عيون الأردنيين على الأقل في المواقع التي عاينتها بتدقيق ومن بين الناس. على سبيل المثال: في معان والطفيلة والبادية والمفرق واربد والرمثا، بل وفي عيون المتفرجين على الاحتجاجات في عمان.
ببساطة، كان الأردنيون ينتظرون (بكرامة ومن دون طلب) أن يكافَأوا، لا أن يُعاقَبوا، لكنهم أصيبوا بكسرة خاطر وطنية كبرى في شؤون شتى… “وَلَوْ! وَصّلت للخبزات”؟!