زمانكم-
قليلة هي المراجع التي تصف وتوثق تفاصيل الحال التي كان عليها شرق الأردن في مرحلة التأسيس.
عثرنا على عدد من الصفحات في مذكرات الصحفي والسياسي العربي اللبناني أسعد داغر التي نشرت بعد وفاته في القاهرة عام 1959 بعنوان “مذكراتي على هامش القضية العربية”.
أسعد داغر واحد من قادة النهوض العربي في مرحلة الاستقلال عن الدولة العثمانية، وقد عاش تلك السنوات في تركيا ذاتها. لكن داغر كان صحفيا وكاتبا أكثر منه قائدا سياسيا او عسكريا.
أورد في مذكراته تفاصيل أول زيارة له إلى شرق الأردن.
بعد انهيار الحكومة الفيصلية في دمشق ومغادرة الملك فيصل، تشتتت مصائر قادة الحركة العربية، وانتقل بعضهم إلى مصر ومن بينهم السيد أسعد داغر.
يقول داغر: إن شرق الأردن شكلت أملا للقوميين العرب، نظرا لوجود الأمير ذي السمعة العالية بين القوميين والذي تحالف مع أكبر تجمع للاستقلاليين العرب. وكانوا يتوقعون أن تصبح عمان “أنقرة” العرب. (نسبة إلى ما كانت عليه أنقرة بالنسبة للأتراك).
تطالعون فيها وصفا طريفا لرحلته من القاهرة إلى القدس ثم إلى عمان، حيث رافقه في السيارة أحد أعيان عمان (لم يذكر اسمه) وكان مدخنا للأرجيلة فيأمر السائق أن يتوقف كثيرا للتدخين، ويصفه بانه أثقل من رأى في حياته. ولكن هذا المرافق الثقيل سيتحول إلى متزلف عندما يعرف أن داغر سيكون ضيفا على رئيس الوزراء (المستشارين) مظهر أرسلان في عمان.
يصف لقاءه بقادة الحكم في عمان، الذين يصفون له ما يتعرض له الأمير من ضغوط انجليزية جعلته يختلف مع الاستقلاليين فيرحل بعضهم إلى الحجاز.
كان هدف داغر إقناع الأمير باستقدام القائد العسكري عزيز علي المصري الذي فر من حكم الإعدام في تركيا، لكي يقود الحركة من جديد ومن عمان لاسترداد سورية.
يلتقي داغر بالأمير الذي يحدثه بنفسه عما يتعرض له وعن خيبة امله وعن عجزه عن مواصله أهدافه، ويتأثر داغر وهو يرى الدموع تغرق عيون الأمير.
يتردد داغر عن مفاتحة الأمير بهدفه من الزيارة، لكن الأمير نفسه هو من يفاتحه ويحمله رسالة قصيرة مؤثرة إلى عزيز المصري.
تقول الرسالة: “عزيزي عزيز.. إنني في حالة لا يمكن الصبر عليها، فبعد ان كنت عزيزا في بلادي، أصبحت ذليلا تحت ضغط الأجنبي وسلطانه لا قوة ولا مال ولا نفوذ، فإذا استطعت ان تشق الطريق أمامنا وتجد القوة والمال والسلاح، انقذتني وأنقذت الأمة، وإلا فدعني أسقط واتدهور واسلم انت للعرب. التوقيع: عبدالله”
لكن بعد ساعات، يبدو أن ضغوط الانجليز تسارعت ويضطر الأمير إلى الطلب من داغر ان يغادر فورا وتفشل الزيارة.
وعندما يعود إلى القاهرة يرسل داغر رسالة إلى الأمير يشرح فيها انطباعاته ويجدد أمله بالأمير وطموحه بأن يستعيد الأمير مكانته، وتمر سنين ويعتقد أن الرسالة لم تصل، لكن لقاء آخر بعد سنوات مع الأمير يؤكد له الأخير فيه ان الرسالة وصلت وأنها تشكل بالنسبة إليه دستور عمل.
الصفحات بين أيدكم أدناه للقراءة الكاملة لمن يرغب.