زمانكم-
هذا النص كتبه عام 2010 الأستاذ الدكتور خالد الكركي (رئيس مجمع اللغة العربية حاليا) وألقاه كمحاضرة بعنوان: معركة الكرامة.. “درس في الخلق الوعر”. وقد قدّرنا أن النص جميل وعميق، ونقدمه هنا لقراء موقع “زمانكم”.
معركة الكرامة .. درس في الخلق الوعر
أ. د.خالد الكركي
أيها الجيش من كتائب حطين
وقد عانق القديم الجديدا
نسلت جندك الكماة من الصيد
فجردتهم كماة وصيدا
نزلوا كل شاهق فالروابي
أوشكت تحت بأسهم أن تميدا
يتنادون فالمناكب والأغوار
جنت من رجعهم ترديدا
خالد خلف جمعهم والمثنى
وشرحبيل يحملون البنودا
عندما فتحت صفحات يوم الكرامة العظيم ، وأنا أبحث عن رؤى الشهادة في الشعر الحديث في سياق كتابي “حماسة الشهداء” ، كتبت إلى جانب العنوان الخاص بالكرامة: “قبس من مؤتة” ، وحين عدت إلى كتابها الوطني الكبير وأنا أهيئ كتابي “منازل الأرجوان – الشهداء القادة في الإسلام” للنشر ، وأجعله بحثا في الروح الجعفرية الاستشهادية يوم مؤتة ، جعلت اخر صور الاستشهاد الجعفرية فيه صورة من يوم الكرامة ، وهي للشهيد الملازم خضر شكري يعقوب حين نادى على الجهاز:
“طوق العدو موقعي ، ارموا موقعي حالا ، حققت الشهادة في سبيل الله والله أكبر”.
كان السياق العام هو أن “الأمة” مطوقة ، وكانت بوادر استعادة عنفوانها تتردد في ساحات إعادة بناء القوات المسلحة العربية ، والزمن قريب من حزيران وخيباته ، والعمل الفدائي تتوالى تضحياته وصوره ، وقد أرقتني مراجعة تلك اللحظة التاريخية في القرار الأردني ، لأن السياق العام لم يكتمل مشهده بعد لعمل عسكري عربي كبير يواجه عدوا خرج من حزيران مطوقا بالغرور والحقد والحديد ، وخرجنا منه وقلوبنا على القدس وعلى شهدائنا الذين استيقظ فتية منهم قبل سنوات قليلة والقدس في حلكة الاحتلال الصهيوني وعتم الحصار إلا من قبة تتلألأ بالروح الأردنية التي هبت لنجدتها ، وصوت مؤذن ينادي على الأمة أن تنهض للتحدي من جديد.
في تلك اللحظة النادرة انتزع الأردنيون اعترافات من العدو الإسرائيلي ظلت تتوالي في أحاديث جنرالاته وكتبهم ، وكان آخرها ما نشر في كتاب عن “ايهود باراك” مترجما في عمان 1999 ، وهذه بعض أقوال مؤلفيه:.
– “لم يصدق أحد أن الجيش الأردني الذي مني بهزيمة قبل تسعة أشهر فقط ، والقلة القليلة من مقاتلي فتح قادرون على تحدي الوحدات المدرعة والمظليين الإسرائيليين المهاجمين. لقد كانت عملية الكرامة إحدى العمليات التي منيت بفشل ذريع في تاريخ الجيش الإسرائيلي. لقد استقى ايهود العديد من العبر من الفشل الذريع الذي منيت به عملية الكرامة ، ومن ضمنها ما يتعلق بالاعتداد الكبير بالنفس ، والجمود الفكري القائل إنه لا يوجد في المنطقة من هو قادر على وقف اندفاع القوات الإسرائيلية”.
ان هناك فيضا من الشهادات والاعترافات وهو معروف ومنشور ، لكنني اخترت مأزق باراك بالذات لأنهم يرونه عسكريا مختلفا وقد كان بين ضباطهم في معركة الكرامة.
أعود إلى السياق العام للأمة: ضجيج ثوري ومحاولات في النقد الذاتي ، لاءات الخرطوم ، ومساعدات لدول المواجهة ، وصور من نفاد الصبر يلف أرواح الناس ، فبينهم وبين نكبة 1948 عشرون عاما فقط ، وقد تحطم حلم التحرير ، وذابت في مياه البحار والأنهار خطب ومؤتمرات ومشاعر وتناقضات ذهب كثيرون منا إلى الحرب بها ، وكانت أشد وفرة من العتاد والجنود.
سأقصر هذه المداخلة على السؤال الكبير ، السؤال عن الروح التي صنعت نصر الكرامة كما صنعت قبله نصر باب الواد وكيف استطاعت قواتنا وجيشنا بعد في مرحلة إعادة البناء ، أن تجابه قوى العدو وتنتزع منها زمام المبادرة ، وتحول حالة الصدمة التي اجتاحت الأمة بعد حزيران إلى نشوة النصر التي يعرف جيلنا المعاصر لها كم حملت معها من ثأر وبهجة ووعد بالتحرير،،.
لقد تسرب العدو إلى مناخ حزيران من أخطاء العرب الذاتية لا من قوته العسكرية وحدها ، لذلك كان لابد من وقف أخطائنا وصد اندفاعه الذي بدا انتصارا لإستراتيجية دائمة تقوم على التوسع والتفوق وبث الرعب في فضاء المنطقة كلها… وقد قادته هذه الأفكار إلى عبور النهر ، وكان معنا في تلك اللحظة روح شامخة ، ومكان وزمان وقوة تكفي لتوجيه صفعة قاسية لغروره ، والانقضاض الخاطف لوقف زحفه وتدميره وتحميله نتائج مجازفته التي قامت على وهم بأن العرب يتراجعون دائما ولا يتقدمون أبدا،،.
إنه إذن يوم واحد كاف لقلب المعادلة ، فإذا بنا نصمد ولا نتراجع ، وإذا بهم عن مجازفتهم يرجعون.
إن النصر يبدأ روحا فرؤية ففكرة فهدفا ، ثم توضع لتحقيقه أهداف ، واستراتيجيات ، وسياسات ، وخطط ، ووسائل، ومن أجل هذا الحلم.. الخاطر.. الرؤية ، أخرج المقاتلون الناس من الظلمات إلى النور في زمن الفتح الأول، باسم الروح العليا، روح الإسلام العظيم.
إنها الحرب ، إنه التاريخ ، والحرب “قد تثقل القلب” لكن من يمحو العار عن العرب؟؟،.
من هنا كانت حرب الاستنزاف على الجبهتين المصرية والأردنية في هذا السياق ، وكان الملك الحسين طيب الله ثراه ينادي على الأردنيين والعرب في خطاب بمناسبة عيد الفطر في الليلة الأخيرة من سنة :1967 (اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا) ، فالمؤمن لا يكون انهزاميا ، والانهزامي لا يكون مؤمنا ، وإن لله جنودا إذا أرادوا أراد.
كنا على أرضنا في مقابل أرضنا المحتلة ، وكانت الرسالة واضحة ، فإذا أصر المعتدي على عدوانه فلا بد أن يدفع ثمن غروره ، وكانت العسكرية العربية الأردنية تعرف ، بما تستند إليه من تاريخ وتجارب ، أن العدوان على الكرامة أبعد في أهدافه من تدمير قواعد الفدائيين ، لأن ذلك ممكن بطيران العدوالخارج من حرب حزيران ممتلئا بالتبجح والدعم الأمريكي ، وقد عبَر الملك الحسين رحمه الله عن الرؤية الإستراتيجية الأردنية لظروف المعركة وغاياتها في المؤتمر الصحفي بتاريخ 23 ـ 3 ـ 1968م:.
“إنني أعتقد بأن العملية لم تكن تستهدف الكرامة ولكنهم لو تمكنوا عن طريق عنصر المفاجأة من اختراق خطوط دفاعنا ، لكانت الحالة تختلف تماما عما هي عليه الآن. لحسن الحظ فقد كانت عمليتهم فاشلة بكل معنى الكلمة ، وإن جنودنا حاربوا معتمدين على أنفسهم تماما ، وهم يدركون بان المعركة هي معركتهم وحدهم ، وهكذا استطاعوا أن يفوًتوا على العدو تحقيق هدفه ، ولم يكن ذلك الهدف هوإلحاق الدمار بموقع الكرامة ، لأن ذلك كان يمكن أن يحدث عن طريق القصف الجوي أوبواسطة المدفعية كما فعل العدو مرارا في الماضي”. كان هذا ما قاله الحسين بعد المعركة ، أما في غمارها فقد أطلق صرخته إلى الأمة في رسالته إلى القادة العرب وفيها مقولته الشهيرة:
“ولئن أخذتم تسمعون عنا وليس منا بعد هذا اليوم ، فلأننا والله قد طالت نداءاتنا وتوالت…،،،”.
فما هو سر هذا النداء الذي يحمل في ثناياه روحا استشهادية مثل هذه الروح؟،.
هل هي مناخات مؤتة واليرموك وأجنادين وحطين وعين جالوت والقدس وميسلون وسائر هذا التراث العسكري العظيم على ثرى الأردن العزيز؟، أحاول أن أفسر الحرب بالحرب وأعيد السؤال من زاوية ثانية: هل هي في جيشان “قوة الضعف” التي فاضت غضبا ولم يبق لها في قوس الصبر منزع ، فاندفعت تنادي كما قال المتنبي في لحظة نادرة واجه فيها مع سيف الدولة جيشا روميا من أربعين ألف مقاتل ، وعندما تهيب أصحاب سيف الدولة هذا العدد أنشد أبوالطيب بحضرة الجيش قصيدته المشهورة:.
نزور ديارا ما نحب لها مغنى
ونسأل فيها غير ساكنها الإذنا
وفيها وصف للشجاعة العربية أستعيره لفرسان الكرامة وشهدائها:.
وقد علم الروم الشقيون أننا
إذا ما تركنا أرضهم خلفهم عدنا
وأنا إذا ما الموت صرح في الوغى
لبسنا إلى حاجاتنا الضرب والطعنا
قصدنا له قصد الحبيب لقاؤه
إلينا وقلنا للسيوف هلمنا
تعدَ القرى والمس بنا الجيش لمسة
نبار إلى ما تشتهي يدك اليمنى
فقد بردت فوق اللقان دماؤهم
ونحن أناس نتبع البارد السخنا
ومثل هذا الموقف في معارك عظيمة ممتدة بين مؤتة وملاذكرد ، برزت فيها قدرة على “صناعة” التاريخ لا على مجاراته ، بل على قلب معادلاته أحيانا ، فهل كانت الكرامة إحدى لحظات هذا السياق ، سياق الفئة المؤمنة القليلة القادرة بالحق على انتزاع النصر من فئة كثيرة طاغية بالقوة لا بالحق؟، وهل هي اللحظة التي تتجلى فيها القوة الإبداعية والحيوية السياسية ، كما يقول أرنولد توينبي في دراسته للتاريخ؟، وهل يمكن الانحياز إلى التفسير الناموسي للتاريخ (الجوانب العامة أوالكلية في السلوك الإنساني) على حساب التفسير الفردي الذي يركز على الخاص؟ أم أن في أعماق المقاتلين الأردنيين ذاك الإدراك الباهر لصورة الوطن والأرض التي بارك الله حولها حتى لا تقع فريسة للاستعمار الصهيوني الاستيطاني البغيض؟،.
لعل هذه الأسباب مجتمعة: مناخات الموروث التاريخي العسكري الإسلامي ، وروح الرسالة ، وجيشان قوة الضعف ، وذكريات باب الواد ، وصورة الفئة القليلة المؤمنة ، والقوة الإبداعية هي التي جعلت جنودنا في الكرامة:.
يتراكمون على الأسنة في الوغى
كالفجر فاض على نجوم الغيهب
أو
كأنهم يردون الماء من ظمأ
أو ينشقون من الخطى ريحانا
إنهم أبناء هذا كله ، وهم ورثة حضارة صخرية لكن صخرها بلون الأرجوان ، وتلك هي البتراء في الذاكرة ، وكان على الأردنيين أن يمنعوا اعتبار حرب حزيران انكسارا دائما ، بل هي مجرد انحسار مؤقت يستعيدون بعده زمام المبادرة ، وهم يدركون أن منطقة غور الأردن كما كانت دائما ، ذات أهمية إستراتيجية خاصة ، وأن السيطرة عليها لا تتحقق إلا بالسيطرة على سلسلة المرتفعات الشرقية التي تشكل الحافة التي تسيطر سيطرة مطلقة على منطقة الغور برمتها ، فهل كان العدو يتجه – لو سمح له – نحو هذه المرتفعات،، مرتفعات السلط وعمان والكرك عبر محاور العارضة ووادي شعيب وسويمة والصافي،،.
الروح الجعفرية
قد يقول آخرون عن حرب ما إنها حرب حياة أو موت ، ويقول المسلمون حرب نصر أو شهادة ، وكيف تقاتل والظروف لا تأذن لك بانتظار الدعم والمساندة ، وعدوك خارج بطغيانه إلى فضاء المنطقة بادعاء أن قوته لا تهزم ،، سأحاول هنا أن أستأنف ما بدأت به حديثي وأجد سببا للربط بين مؤتة والكرامة في الهدف ( وهو صدم الجيش المتغطرس وصفع غروره ) ثم الإعلان في الدنيا: إننا قادمون للحرب: نصر أو شهادة ، وأن نشيدنا واضح:.
ياحبذا الجنة واقترابها
طيبة وبارد شرابها
وليتفوق عناد الرجال الذين يشكلون النموذج الأعلى في الشخصية الوطنية والعسكرية الأردنية ، وليتوزع كبرياء دمهم عبر الوادي مشيرا بالوعد نحو القدس ، وليخرج الشعب من ورائهم على مدى النهار كله سندا وصبرا وانتظارا ، وليضرب واحد من المقاتلين قوائم فرسه بسيفه فيعقرها (كما فعل جعفر بن أبي طالب يوم مؤتة) ليقاتل راجلا ملتحما بالعدو ، وليتفجر الموت الأحمر عبر الوادي كله ليلاقي العدو ويذيقه مرارة ما أذاقنا في حزيران ، وليجمع الأردنيون جرحاهم وفي صدور كثيرين منهم نيف وأربعون أو خمسون ، ما بين طعنة وضربة ورمية، هذه هي الصورة الجعفرية التي صعدت في فضاءات ذلك النهار الكبير.
لقد قامت المعركة في غياب التوازن العسكري ، وانتصرت الفئة المؤمنة ، وظلت الراية عالية وأرواح الشهداء الخالدة ، تطل علينا من شرفات الروح التي وطنت زمانها على الصمود ، ولم يشغلها سؤال الآخرين عن سر هذا “العناد” الوطني الذي ورثه المقاتلون من أضرحة مضمخة بالمجد والشهادة يغفو فيها الصحابة – رضوان الله عليهم – على امتداد الغور الذي كانوا عنه يقاتلون ، العناد الذي أعاد روحه كايد المفلح الجامح فرسه وهو ينطلق مع صحبه نحو فلسطين ضد غزاتها الصهاينة ومستعمريها الإنجليز ، ومحمد الحنيطي الموزع عطر دمه الأرجوان على بوابات حيفا ، وخالد الخريشا وفراس العجلوني ومنصور كريشان وعناد حابس المجالي ورفاقه في باب الواد ، بل ومن عنادنا اليومي الذي يعبر عن البعد الأعلى للشخصية الوطنية حين يمس الوطن طامع أو دخيل.
يا له من صباح غاضب والفتية يندفعون بهذا العناد كله ، قاماتهم عالية ، وقد أقسموا على النصر والشهادة ، ويا لأرواحهم وصبرهم ونحن نستعيد زمانهم: مشهور حديثة ، وزيد ابن شاكر ، وكاسب صفوق ، وقاسم المعايطة ، وعلاوي جراد ، وشفيق جميعان ، ومحمد هويمل الزبن ، ومحمد حنيان ، وفاضل علي ، ومسلم قاسم مطير ، ومصطفى سليمان إسماعيل ، وعارف الشخشير ، وعيسى سليمان عبد الرحيم ، وراتب البطاينة ، وسالم الخصاونة ، هؤلاء الذين قرأوا الكلام قبل أن يكتبه الشعراء بأن “الفتوحات في الأرض مكتوبة بدماء الخيول ، وهم الذين علمونا أن دماءنا، حين الأوطان تستباح ، حرام علينا.
كان جندي الإشارة في أحد مواقع المعركة يستحضر صمود الكرك سنة 1910 في وجه أرتال الجيش التركي الذي قدم لإخماد الثورة ، ويحور في نشيد المقاتلين التركيين من “يا سامي باشا ما نطيع ولا نعد رجالنا” ليصبح “يا اشكول حنا ما نطيع واليوم تشوف فعالنا” ، إنها الأرض التي بدت كأنها ولدت مقاتلي الكرك ثانية في سهل الكرامة، وهكذا يولد الفرسان.
أي روح جذلى تلك التي غمرت أرواحهم في ذلك النهار؟ ما الذي أضفى على المقاتل عبد الرحمن محمد كساب فيضا من الصبر ومزاج العناد وهو يتقدم لتدمير دبابة للعدو وينادي على رفاقه: “والله تستاهلوا كاسة شاي على هالرمي” بعدها بقليل ارتقى المدفعي البارع عبد الرحمن نحو سدرة المنتهى شهيدا خالدا ، وعلمنا كيف يستحكم الإيمان في القلب فيصير شهادة ، وكيف يقاتل جيش عظيم ست عشرة ساعة تكفي لإعادة الروح إلى أمة صابرة مجروحة،،.
لست بصدد سرد البطولات العظيمة ، فالأردنيون يستعيدون وهجها كل سنة في ذكرى الكرامة ، لكنني أحاول الإمساك بتلك اللحظة الخالدة ، وفهم الثقافة الرفيعة التي بدا من خلال اندفاع المقاتلين في المعركة أنهم قد تجاوزوا بها تخوم المثقفين والمنظرين الذين كانوا آنذاك يتأرجحون في التحليل والنقد الذاتي من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار والأمة في عسر ، والطيبون من أبنائها يعرفون أن صداما لابد ان يقع، وأن فداء لابد أن يبذل ، وأن الحديد لا يفل إلا بالحديد.
أعود إلى عنوان هذه الكتابة فأقول إن الشاعر العربي الطائي “أبا تمام” قد ترك في ديوانه قصيدة رائعة في رثاء قائد الجيش العباسي الشاب محمد بن حميد الطائي الذي استشهد وهو يقاتل الفئات المنحرفة عن الدين والدولة ، وقد وصف صموده في المعركة على وثال نادر لفت أنظار الدارسين ، حتى قال أحد الباحثين إن هذه القصيدة هي نشيد المقاتل المسلم في كل زمان.
يقول أبوتمام:.
فتى مات بين الطعن والضرب ميتة
تقوم مقام النصر إن فاته النصر
وقد كان فوت الموت سهلا فرده
إليه الحفاظ المر والخلق الوعر
ونفس تعاف العار حتى كأنه
هو الكفر يوم الروع أو دونه الكفر
فأثبت في مستنقع الموت رجله
وقال لها: من تحت أخمصك الحشر
تردى ثياب الموت حمرا فما دجى
لها الليل إلا وهي من سندس خضر
مضى طاهر الأثواب لم تبق روضة
غداة ثوى إلا اشتهت أنها قبر
إنه “الخلق الوعر” والخلق ، كما يقول شراح ديوان أبي تمام ، لا يمدح بأنه وعر إلا في مثل هذه المواقف الخالدة.
ألم تكن الكرامة إذن درسا في الخلق الوعر،.
ولأرواح شهداء الكرامة سلام ، ولقواتنا المسلحة الباسلة في عطر الذكرى وعد ورايات عالية الطيب والنبل والبهي من زهر الكلام ، وسحائب الخير في الغمام.